(رأي
للإغناء والنقاش)
يدخل الطالب الجديد الجامعة وقد تعود طوال عمره على
الخضوع لسلطة المجتمع البورجوازي ولا سيما مؤسستين قمعيتين بامتياز هما الأسرة والمدرسة.
هذه المؤسسات تربي الشاب والشابة على الطاعة والامتثال لما هو سائد من قيم فاسدة، قيم
القرون البائدة، قيم الاستغلال والاضطهاد. ومن نتائج التربية التي أخضع لها الشباب؛
قتل روح النقد لديه وفقدانه الثقة في الذات، فالكبار والمؤسسات هم الأدرى بمصلحته وبما
عليه أن يفعل وما عليه سوى الإنصات والتنفيذ.
طبعا تتمرد أقلية من الشباب على هذا الترويض، لكن تمردها
قد يكتسي أشكالا غير سليمة من قبيل تعاطي المخدرات والتعبير عن السخط بأشكال غير واعية.
لذا فإن أقلية قليلة هي المتمردة بنقد المجتمع وبطرح الأسئلة عن أسباب ما ينخره من
تناقضات.
وقد يتسم مناخ الجامعة باختلاف نسبي عما عهده الشباب
في الأسرة وفي المدرسة، وباقي مؤسسات الترويض، وهذا الاختلاف متوقف على ما انتزعته
الحركة الطلابية إبان نشاطها من حريات وما كرست من تقاليد ديمقراطية. وهو حاليا هزيل
بفعل إدخال الحرس الجامعي وكل أنواع البوليس وتضييق الحريات داخل الجامعة. غير أن ما
يفاقم خنق تفتح طاقات الشباب بعض تقاليد الحركة الطلابية نفسها. حيث أدى الضعف والتشتت
التدريجيين لتيارات اليسار الطلابي إلى نشوء أساليب في العمل لا تمت بصلة إلى الديمقراطية،
ولا تتيح ترعرع ميول النقد والتعبير الحر عند الشباب. كما أن بروز التيارات الرجعية
المصادرة للديمقراطية واندفاعها في فرض وجودها بالعنف وادعائها –باسم الرب- احتكار
الحقيقة، قد عزز الظواهر المصادرة للديمقراطية والمنفرة للطلاب.
فبقدر ما تقلصت قاعدة التيارات الطلابية بقدر ما تقوت
لديها ميول التحكم بالطلاب وفرض توجيه نضالاتهم وأنشطتهم بشكل لاديمقراطي. هكذا تقوم
نخبة (عناصر لا تتعدى بضع عشرات في أحسن الأحوال) بمصادرة حق الجماهير الطلابية في
النقاش الحر واتخاذ القرار بشكل جماعي وشفاف. ومنها ما يصر بتشدد أهوج، يصل مستوى العنف،
على رفض كل شكل تنظيمي يبادر إليه الطلاب. وجلي أن تلك الأقليات إنما تخشى ارتقاء وعي
الطلاب وإمساكها بزمام أمرها بلا وصاية وتسلط من أي كان. إن النتيجة الوحيدة لتلكم
الممارسات البيروقراطية، مهما ادعت الحديث باسم القاعدة، هو شل الحركة الطلابية وقتل
إمكانات تطورها.
لقد انعدمت إمكانية عقد تجمعات عامة يعبر فيها كل من
أراد بكامل الحرية عن آرائه واقتراحاته وتم الاكتفاء بحلقات لا يتناول فيها الكلمة
غير دهاقنة التيارات الطلابية الذين حفظوا عن ظهر قلب جملة من التعابير والألفاظ من
العيار الثقيل، وتراهم يتراشقون بها ويتلاعبون قصد الظهور بنظر الطالب العادي كمتفقهين
في علم تحليل ما يجري بالجامعة وغيرها وكيفيات النضال، إلخ.
إن المسوى "الرفيع" (المزيف في حقيقة الأمر)
الذي يناقش به دهاقنة التيارات الطلابية، مستعملين عن قصد ألفاظا مفخمة توحي بسعة الإطلاع،
يجعل الطالب المتوسط يواصل ما اعتاده من عدم الثقة بالنفس والتواري والانطواء والصمت،
فماذا بوسعه أن يفعل أو يقول وهو الجديد على الجامعة وعلى حلقات المناضلين.
إن دني مستوى وعي الطلاب ناتج، ضمن أسباب أخرى، عن
الممارسات القاتلة للديمقراطية التي تكرسها الفصائل الطلابية نفسها، فقد تم بلوغ مستوى
متقدم في ابتكار الحيل وأشكال المكر التي تسمح للنخبة بتسيير حلقات النقاش بشكل يقصي
غير المرغوب فيهم أو يقلص من وقت التدخل الخاص بهم وبالتالي التلاعب بالحلقة كلها في
الاتجاه الذي يريدون معاملين الطلاب معاملة القطيع.
إنها أساليب الذين ليست لهم ثقة في قدرتهم على إقناع
الجماهير برأيهم، هذا إن كان لهم رأي. إذ غالبا ما يفرض المتسلطون رغباتهم على الجموع
لأجل الظفر بقيادة زائفة لا غير. كما أن الفقر الفكري الذي أصاب التيارات الطلابية
إثر انهيار المنظمات السياسية التي استندت عليها في بدايتها، جعل خطب الدهاقنة تكرارا
بأشكال متعددة لنفس الجمل التي تجتر أفكارا عامة تبقى مملة ما دامت لا تتغذى باستمرار
بالجديد من حقائق الحياة الاجتماعية والسياسية. هكذا تتكون لدى الطالب المتوسط صورة
عن الطلبة المناضلين بما هم عصبة منغلقة من ذوي الخطاب الشبيه بـ"الغوص"
فيزيد ذلك من تردد، وحتى تخوف، الطالب في التدخل والمشاركة بالأفكار والأفعال.
طبعا إن لهذه المؤثرات السلبية حدودا لأن التركز الطلابي
الكبير الذي تشكله الجامعة، وبقاء جزء ضئيل من تقاليد النضال الطلابي، يجعلان فئة من
الطلاب تهتم وتشارك لكن بشكل سلبي وغير متناسب بتاتا مع ما يميز الشباب من عنفوان وإقدام
وتحدي لكل أشكال التسلط.
وتتجلى هذه الأمراض في المكانة المخصصة للطالبات في
الساحة الطلابية ضحية التهميش والأدوار الثانوية، لذا فإن جرأة الطالبة على الكلام
والمشاركة أدنى من جرأة الطالب.
ومن الصور الكاريكاتورية لديكتاتورية دهاقنة الساحة
الطلابية سعيهم الحثيث إلى احتكار المعرفة والمعلومات، لدرجة إخفاء الوثائق عن المقربين
إليهم ناهيك عن جماهير الطلاب، حتى أن بعض النصوص أصبحت من قبيل المخطوطات المقدسة
للفئات الدينية المغلقة والتي لا يطلع عليها سوى المختار من المريدين.
إن هذه الظواهر مرتبطة بالمصير العام الذي سقطت فيه
الجماعات الطلابية، لذا فإن مشروع تجديد الحركة الطلابية على أسس كفاحية، في تناسق
مع مهمة بناء منظمات نضال الكادحين ضد الاستغلال والاضطهاد، لن تقوم له قائمة دون كنس
كل التقاليد العفنة المصادرة لحق الطلاب في التعبير والمشاركة النشيطة، وبناء تقاليد
تفتح المجال لممارسة الجميع حق اتخاذ القرار وتنفيذه.
لا يمكن بين عشية وضحاها الضرب صفحا عن تقاليد راسخة
طوال سنوات عديدة، لكن إلى جانب التجدد المميز لأفواج الطلاب بالجامعة، بوسع تطبيق
النقاط التالية أن يقلب الوضع رأسا على عقب :
1-
إن اللغة المفهومة من طرف الطلاب، بعيدا عن الطلاسم، هي الشرط الأول لرفع الحواجز المصطنعة
بين المناضلين وعموم الطلاب. يجب التخلي عن لغة "الراسخين في العلم" وحتى
اللجوء إلى الحديث بالعامية والأمازيغية تشجيعا للجميع على الكلام.
2-
إغناء حقائق العلم الماركسي الذي يسعى المناضلون إلى استعماله، بمعطيات الواقع المتجدد
شرط لتجاوز الصيغ المنحطة واستعمال ذلك العلم فعلا لدراسة مسائل الوضع الطلابي والاجتماعي
بوجه عام دراسة جدية، لما يمثله ذلك من أداة لا غنى عنها لرفع الوعي وإنماء إرادة النضال
لدى الطلاب.
3-
ممارسة سياسة فعل إيجابي واعية لأجل رفع مكانة الإناث ودورهن في النشاط الطلابي.
4-
نبذ كل عنف، كلاميا كان أو عضليا، واتخاذ عقوبات صارمة بحق مرتكبيه. ويمكن اتخاذ طريقة
المحاكمة الجماهيرية مع حق المتهم في الدفاع وإصدار الحكم بأغلبية الأصوات.
5-
تثقيف المناضلين أنفسهم بمبادئ الديمقراطية في تسيير النضالات بالتعريف بتجارب حركات
مناضلة أخرى.
6-
تطوير أشكال إثارة النقاش وتسييره.
7-
جعل التجمع العام الإطار الوحيد لاتخاذ جميع القرارات والتربية على احترام قاعدة تنفيذ
الأقلية للقرار الذي حظي بالأغلبية مع ضمان حق الأقلية في الدفاع عن رأيها وتمكينها
من وسائل ذلك. ويعني هذا هجر تقاليد الحلقات التي تتخذ القرار وفق ما يسمى "التوجه
العام"، واللجوء إلى استعمال التصويت عند اتخاذ أي قرار.
يمكن للحلقات أمام غياب إطار تنظيمي للطلاب أن تكون
ذلك التجمع العام شريطة احترامها للقواعد الديموقراطية المذكورة أعلاه
8-
تمثيل وجهات النظر في انتخاب الهيئات (لجنة أو وفد أو أي مجموعة ستسند إليها مهمة ما)
باعتماد قاعدة التمثيل النسبي.
9-
إلزام الممثلين الطلابيين بتقديم كشوف حساب أمام الجماهير عن المهام المسندة إليهم
مع إمكانية عزل هؤلاء الممثلين في أي لحظة بإرادة أغلبية من انتخبهم.