تترجم الميزانية العامة للدولة السياسة
الاقتصادية والمالية للحكومة التي ترمي من خلالها تحقيق أهداف محددة من خلال تحديد
حجم ومصادر المداخيل المالية وتوزيع النفقات العمومية حسب الحاجيات والأولويات
التي تحددها الحكومة خلال السنة.
ادن فالميزانية العامة للدولة ليست سياسة مالية صرفة بل هي تدابير مالية تحقق من خلالها الحكومات عدة أهداف ذات طبيعة سياسية (تمويل الأجهزة الإدارية والأمنية والعسكرية) واقتصادية (توجيه الأنشطة الاقتصادية وتحديد القطاعات التي تحضى بدعم تشجيع الحكومة) واجتماعية (إعادة توزيع جزء من الفائض الاقتصادي حسب الأولويات الاجتماعية للحكومة). وبهذا المعنى تشكل الميزانية العامة أداة لخذمة أهداف ومصالح الطبقة الحاكمة.
ادن فالميزانية العامة للدولة ليست سياسة مالية صرفة بل هي تدابير مالية تحقق من خلالها الحكومات عدة أهداف ذات طبيعة سياسية (تمويل الأجهزة الإدارية والأمنية والعسكرية) واقتصادية (توجيه الأنشطة الاقتصادية وتحديد القطاعات التي تحضى بدعم تشجيع الحكومة) واجتماعية (إعادة توزيع جزء من الفائض الاقتصادي حسب الأولويات الاجتماعية للحكومة). وبهذا المعنى تشكل الميزانية العامة أداة لخذمة أهداف ومصالح الطبقة الحاكمة.
وحسب الظروف الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية القائمة في كل بلد تتغير السياسة المالية للدولة (فهي تعكس
موازين القوى السياسية والاجتماعية بين الطبقة الحاكمة والطبقات الشعبية ) كما
تتغير حسب طبيعة الحكومات.
فمند صعود الليبرالية الجديدة
اكتست الميزانيات العامة طبيعة لا شعبية وهجومية. ومباشرة بعد اندلاع الأزمة
الاقتصادية العالمية في 2008 شرعت معظم الحكومات في تطبيق سياسة مزدوجة: التقشف
فيما يخص الإنفاق الاجتماعي والدعم المالي العمومي للشركات الرأسمالية.
هذا هو الإطار السياسي العام لميزانيات معظم
الدول، خاصة تلك التي تعرف موازنتها عجزا هيكليا أو مثقلة بالديون. و لا يشكل
المغرب استثناء في هذا الإطار.
الموارد المالية للميزانية:
تتكون موارد الميزانية العامة
من مداخيل جبائية (وهي عائدات الضرائب والرسوم بجميع أصنافها) ومداخيل غير جبائية
(عائدات الدولة من الاستغلال والاحتكار) ومداخيل الصناديق الخاصة.
النفقات العمومية :تتكون
النفقات العمومية من مجموع ما تنفقه الدولة خلال الميزانية السنوية. وهي تتكون من
نفقات عادية ( خدمات وسلع، أجور،ديون عمومية ودعم عمومي للموازنة) ومن نفقات
الاستثمار وهي تمثل مجموع الاستثمارات
العمومية خلال سنة الميزانية.
عجز الميزانية:
العجز هو ارتفاع حجم
النفقات العمومية مقارنة مع حجم مداخيل الدولة. وتعرف الميزانيات العمومية
لمعظم الدول مند ان شرع في تطبيق السياسات الليبرالية زيادة مضطردة في نسبة العجز.
وتزعم الحكومات البرجوازية والساسة الليبراليين،ان سبب زيادة نسبة العجز هو ارتفاع
حجم النفقات، وخاصة كتلة الأجور والنفقات الاجتماعية، وهو تفسير مغالط هدفه تبرير
نهج سياسات تقشفية تستهدف الضغط على الأجور وتقليص النفقات الاجتماعية والخذمات
العمومية.
أما حقيقة زيادة نسبة
عجز الميزانيات العمومية لمعظم الدول، فيجد تفسيره في تقلص حجم عائدات ومداخيل
الدولة ليس بسبب ارتفاع حجم النفقات الاجتماعية وكتلة الأجور كما تزعم الحكومات
الليبرالية، بل بسبب الانخفاض الملموس في حجم عائدات الدولة كنتيجة
مباشر للاختيارات الاقتصادية الليبرالية القائمة على تقليص الدور الاقتصادي للدولة
وخوصصة القطاع العام وتحرير التجارة الخارجية وخفض التكاليف الضريبية على الشركات
والمستثمرين، والاستثمار في أنشطة غير منتجة (التسلح والأمن). هذا علاوة على عوامل
الفساد والنهب الذي تتعرض له المالية العمومية على يد الجهاز البيروقراطي للدولة
والاستنزاف المالي من قبل ارستقراطية الدولة ( التكلفة الثقيلة لمصاريف الملوك
والرؤساء والبرلمانيين والموظفين السامين) ومن قبل الأجهزة الطفيلية ( جهاز الشرطة
والجيش والبلاط).
ففي ظل تعاقب وتواصل
السياسات الليبرالية ستعرف الميزانيات العمومية مزيدا من تعميق نسبة العجز بفعل تقلص
المداخيل الجمركية، بعد تحرير التجارة الخارجية، وعائدات الدولة من المؤسسات
والشركات العمومية، بعد خوصصة الاكثرها ربحا و مردودية، وتراجع حجم العائدات
الضريبية بفعل التشجيعات والتحفيزات الممنوحة للقطاع الخاص في سياق المنافسة بين
الدول على جلب الاستثمارات الخارجية.
وليس من خيار لتجاوز تطور عجز الميزانية إلى
ازمة مالية عمومية غير خيارين: إما إعادة النظر بشكل جذري في بنية الميزانية
العمومية (تغيير شروط إنتاج الثروة الاجتماعية وإعادة توزيع الفائض الاقتصادي)
وإما مواصلة الدوران في نفس الحلقة المفرغة القائمة على الحفاظ على التوازنات
المالية الكبرى على حساب تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي القائم على إعادة
توجيه النشاط الاقتصادي لتلبية الحاجيات الاجتماعية الأساسية للأغلبية الشعبية
كأولوية بدل أولوية تحقيق شروط مراكمة الربح لفائدة الأقلية الرأسمالية.
المديونية وسياسة التقشف
لتقليص نسبة العجز في
الميزانية تلجأ الحكومات عادة إلى الاقتراض (وهو ما يتسبب في إثقال مديونية
الدولة) أو الى سياسة التقشف (تقليص حجم النفقات) أو الزيادة في الضرائب، خاصة
الضرائب غير المباشرة والضريبة على الاستهلاك.
وتتسبب هذه الاختيارات عادة في نتائج عكسية،
فبدل تقليص عجز الميزانية يتطور العجز من عجز ظرفي إلى عجز بنيوي.
ومادامت الحكومات ترفض إعادة النظر في ميزانيات
الأجهزة الأمنية والعسكرية والبيروقراطية الإدارية وما تستنزفه العائلات الحاكمة،
كما هو حال ميزانية القصر الملكي في المغرب، وفي غياب سياسة ضريبية تتجه صوب
المضاربات المالية والعقارية وصوب الثروات، فان شعار "تقليص عجز
الميزانية" يتحول إلى سلاح في يد الحكومات لتبرير سياسة تقليص الميزانيات
الاجتماعية.
وبفعل الأزمة المالية وتفاقم عجز الميزانيات
العمومية للدول،شرعت الحكومات مستفيدة من تحرير الأسواق المالية، في الاقتراض من
البنوك الخاصة لتمويل ميزانياتها العامة. وبعد ان كانت مديونية الدول في معظمها
ديون مستحقة لدول او مؤسسات مالية دولية، تحولت الديون العمومية إلى سندات مملوكة
للقطاع الخاص، قابلة للتداول في الأسواق المالية، دون أية قدرة للدول على منع
ذلك.وكلما كانت قدرات الدولة ضعيفة على تسديد ديونها، ازدادت نسبة الفائدة بفعل
المضاربات في السوق المالية.
في ظل هذه الشروط لم يعد من سبيل أخر أمام
الحكومات البرجوازية (يمينية أو يسارية) غير اعتماد سياسة تقشفية و تقليص النفقات،
للتحكم في الأزمة المالية للدولة، مادامت لا تملك خيارات أخرى للرفع من حجم
العائدات.
ضمن هذا الإطار العام
يندرج مشروع ميزانية 2011 المصادق عليه من قبل مجلس وزراء الملك.