يعتبر الوسط الطلابي أول من يتأثر بأزمة
الايديولوجيا البرجوازية التي كان من المفترض أن يمجدها ويعمل على إدامتها،فنظرا
لبنيتهم الشبيبية،وكونهم يصطدمون بواقع مستقبلي لن يمنحهم سوى البطالة،ولوجودهم في
قلب الازمة المؤسساتية للجامعة البرجوازية،لا يرى الطلبة أي مصلحة في
مماثلة مطامحهم بضرورة بقاء الرأسمالية كنظام اجتماعي،خاصة وأن كل اللوحات
الاشهارية للمجتمع الاستهلاكي وكل قيم "نهاية التاريخ " التي تلقنها المدرسة والجامعة
والسلطة....إلخ،تكذبها يوميا جرائم الاستغلال والحروب الامبريالية على
الشعوب،ويكذبها واقع الاستبداد السياسي والاضطهاد السياسي والثقافي لجماهير
الكادحين من طرف كمشة من البرجوازيين.
ان هذه الأسس المرتبطة بالواقع الموضوعي
لازمة الرأسمالية،والتي تنبئ عن طاقة انفجارية كامنة،يكبحها من جهة واقع الجزر
العام للنضال الطبقي،ومن جهة ثانية واقع الحركة الطلابية الذي يتسم بنضالات عاجزة
ومشتتة لا يرى الطالب جدواها،ثم كون القاعديين- وهم الذين يمثلون الخط الراديكالي
الذي يستقطب الطلائع المسيسة من جمهور الطلاب – هم أيضا يساهمون في تعميق الهوة
بين وسط مسيس تضيق دائرة تأثيره ووسط طلابي عريض يتسع باستمرار وذلك بسبب ممارستهم
المحكومة بعجز سياسي وتنظيمي جعلهم يستمدون ثقافتهم السياسية من نقاش السبعينات
وصراعات الفصائل داخل نقابة طلابية ليس لها وجود تنظيمي .ومما يزيد من حدة هذا
الوضع ويجعل مسألة فهم أزمة الحركة الطلابية ترتبط في جزء كبير منها بفهم أزمة
القاعديين،كون الانحطاط الذي يعانون منه صورة عن الانحطاط العام لحركة اليسار
الجديد.
إن الوجه الاخر لهذا الانحطاط القاعدي
بالجامعة هو من جهة نشاط فصائل الأحزاب الليبرالية التي تسعى الى امداد تنظيماتها
بكوادر شابة تضمن استمراريتها،ولإلحاق
الوسط الطلابي بالقطاعات الاجتماعية للحيلولة دون امتلاك الطلاب للوعي الثوري
بضرورة الاطاحة بالنظام الرأسمالي. ومن جهة أخرى تنامي المد الرجعي السلفي الذي
استطاع بخطابه الراديكالي الديني الانغراس في الوسط الطلابي من خلال عمل سياسي
منظم لربط الحركة الطلابية بمشروعه العام لإقامة دولة الاستبداد التيوقراطي .
ونتيجة لهذا التناقض بين الشروط
الموضوعية للتمرد وغياب الشرط الذاتي بقيت الطاقات النضالية للطلبة غائبة منذ
بداية هذا العقد عن المساهمة في النضالات الطبقية لجماهير العمال والكادحين وهو ما
يفرض أكثر من أي وقت مضى تقييم تجربة اليسار الراديكالي داخل الجامعة من اجل بناء
حركة شبيبية ثورية تكون الحركة الطلابية احد مكوناتها الاساسية في اطار بناء حزب
شيوعي ثوري بالمغرب.
1 – الجذور التاريخية
للوضعية الراهنة لحركة القاعديين:
ظهرت الأنوية الأولى لحركة
"اليسار الجديد " بشكل علني وسط الجامعة خاصة في المؤتمر ال 13
لأوطم،لتعلن في دجنبر 70 عن فصيل "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين "
مباشرة بعد الاعلان عن منظمتي 23 مارس "إلى الأمام " وقد ساهم اختمار
التناقضات الطبقية لمغرب ما بعد مؤامرة " اكس ليبان " والمد العالمي
الذي عرفته النضالات العمالية وكفاح المستعمرات ضد الامبريالية،والدرع الجزئي
للستالينية خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي مترافقا مع اصداء الثورة
الثقافية الصينية،في التوجه العام للشبيبة نحو البحث على الخط الثوري على يسار
الحركة الشيوعية الستالينية . وهو ما أدى إلى الانغراس الكبير لليسار الجديد في
هذه الأوساط.إلى ان غياب استراتيجية ثورية واضحة تجد اساسها في الميوعة النظرية
التي شكلت اساسه الفكري،ثم الطرح المغلوط لمسائل التكتيك الثوري والفهم
البيروقراطي للمركزية الديمقراطية . كلها عوامل ادت الى ان اليسار الجديد لم
يستثمر هذا التجدر الشبيبي بالثانويات والجامعات في بناء حزب عمالي خاصة وانه لم
يستوعب من منظور لينيني تلك العلاقة الجدلية بين بناء هذا الحزب وبين بناء منظمات
جماهيرية طبقية.
لهذا كانت تجربة الجبهويين داخل
الجامعة تجسيدا لتلك الاخطاء . فبناء على تحليل يتم عن تقديس مفرط لعفوية الجماهير
شخص اليسار الجديد بأنها ازمة ثورية تتجلى تزعزع الكتلة الطبقية السائدة وارتفاع
مستوى وعي الجماهير،ولم يبقى سوى توفير الشرط الثالث وهو بوتقة هذا المستوى من
الوعي في بناء حزب بروليتاري. فقد جاء في البيان السياسي للمؤتمر 15 لأوطم ان
الجماهير قد : "بدأ اكتسابها لقوتها الحقيقية الكامنة في الاستقلال
الايديولوجي والسياسي والتنظيمي عن الاصلاحي " ليعود ويؤكد بشكل متناقض ويؤكد
في نفس الصفحة بان " مادامت البروليتاريا لم تصل الى هذه القناعة (أي
الاستقلالية)...فإن تحركها سيبقى جزئيا اصلاحيا..ذيليا...بدلا من تصريفه في معركة
شاملة للتحرر الوطني " ووراء هذا التحليل المتناقض لوعي الجماهير يقف عجز
اليسار الجديد عن التجذر في الطبقات الأساسية ذات المصلحة في الثورة . ونتيجة لهذا
العجز يقول بان الحركة الشبيبية هي التي تمثل " المعبر الفكري عن الوعي الحسي
للجماهير الكادحة ومثقفيها العضويين وتشكل بذلك طليعتها المرحلية."(1)
فالتلاميذ والطلبة اذن طليعة تكتيكية
تنقل الوعي الثوري الى الكادحين رغم ان " المعلمين وطلبة الجامعات(...)
يكونون مجموع المثقفين البرجوازيين الصغار ".(2)
على هذه الاسس انبنى نضال الجبهويين
داخل الجامعة طيلة الاربع سنوات الأولى من العقد السبعيني،فإلى أي حد كانت صحيحة
من منظور الماركسية الثورية ؟ و ماهي المنزلقات النظرية والسياسية التي اطرت هذه
الرؤية لادوار الحركة الطلابية في المسلسل الثوري؟
1 – إن اليسار الجديد في تحليله لموقع
الحركة الطلابية سقط ضحية عدم التمييز بين التحليل السوسيولوجي والتحليل السياسي
الماركسي .فاذا كان الأول ينظر للحركة الطلابية من زاوية قاعدتها الاجتماعية ليحكم
بأنها برجوازية صغرى،فان الثاني يركز على حدودها السياسية.أي أن الحركة الطلابية
ذات حدود برجوازية صغيرة في ممارستها السياسية وليس بقاعدتها الاجتماعية . ونتيجة
لهذا الخلط سقط اليسار في فخ التحليلي السوسيولوجي الخاطئ اصلا فالقول بان الموقع
الطبقي للطالب هو البرجوازية الصغرى و الذي يتم تبريره بكون الطالب لا ينتج قيمة
هو خاطئ بالاستناد الى النظرية الاقتصادية الماركسية التي تؤكد ان كل عمل منتج ليس
بالضرورة عملا مأجورا وكل عمل مأجور ليس بالضرورة منتجا(3) إلا ان
الوضع الانتقالي للطالب،إذ لا يصح الحكم عليهم لا بالأصل الاجتماعي ولا بالمستقبل
المهني،ثم اتسام نشاطهم بالهجانة إذ أن انتاج تأهيل العمل الذهني من خلال سنوات
الدراسة هو ثمرة نشاط الاساتذة وليس نشاطه الخاص(رغم أن الطبيعة الخاصة للدراسات
الجامعية تستتبع نوعا من الاستقلال يختلف ن الاستهلاك السلبي للدراسات الابتدائية
والثانوية)
هذين المظهرين لوضعية الطالب هو ما يجعل
صيغة متعلم ذهني اقرب الى اصواب نسبيا في اطار التطورات التي تعرفها الجامعة
البرجوازية(4)
وهذا الخطأ في تحديد الطبيعة
الاجتماعية للطلبة هو الذي ادى الى عدم وضوح رؤية اليسار الجديد في دور الحركة
الطلابية. فالحكم بأنهم ينتمون الى البرجوازية الصغرى يستتبع اما تهميشا في الصراع
او اعتبارها حركة ديمقراطية برجوازية صغيرة قد تتحالف مع البروليتاريا. إلا ان
اليسار الجديد وقع في الخلط بين هذه الرؤية ورؤية أخرى تعتبر الحركة الطلابية طليعة تكتيكية امام ضعف الطليعة الاستراتيجية.
وهو ما ادى بدوره الى الخلط في المهمات البرنامجية. فكانت مأساة الجبهويين انهم
ناضلوا من اجل المطالب النقابية الجامعية وهو ما لن يتحقق إلا بنضال سياسي طبقي
عام يتجاوز الحركة الطلابية. ومن جهة اخرى ناضلوا لإسقاط الحكم كطلبة وحلوا محل
العمال والفلاحين كطليعة حقيقية فكانت اربع سنوات من الكفاحات والتضحيات كافية
لتوضيح الاخطاء القاتلة للجبهويين و ايضا لتنظيمات اليسار الجديد.
2 – ان الخطأ الأساسي للجبهويين (أي
اليسار الجديد ) لا يكمن في اعتبار الحركة الطلابية طليعة تاكتيكية. إذ يمكن في
مراحل معينة ان تحتل الحركة الطلابية صدارة النضال الثوري وتحل محل الطليعة
الاستراتيجية بسبب افلاس او ضعف هذه الاخيرة . ولكن الخطأ يكمن في ان ذلك يمكن ان
يدوم طويلا و إلا فستسقط في الغرابة الثورية . ستبحث عن تنصيب نفسها كطليعة وهي
تنكر بصورة سحرية نفوذ الاصلاحية والقيادات البيروقراطية على البروليتاريا وهو ما
قام به الجبهويون من خلال تحاليل تسقط الاماني والرغبات على الواقع لتصف احداثا
بسيطة في اولاد خليفة بأنها نهوض ثوري للفلاحين وعوض الاقرار بان النضالات
العمالية البطولية انذاك (مناجم خريبكة،جرادة...) وحدودها وضرورة تقييمها لرسم خطة
عمل واضحة للنضال العمالي،بناء على ادراك واضح لقوة البيروقراطية النقابية
وهيمنتها على العمال عوض ذلك نراهم يصفونها بأنها نضالات عمالية طبقية ؟ دون ان
يكفوا عن ترديد الشعارات عن تنامي الوعي الطبقي للجماهير وبأن الحركة الطلابية تقف
إلى جانب الشعب والجماهير في غياب ادنى حس ماركسي لإدراك ان التاريخ تصنعه الطبقات
وليس الجماهير وأن هذه الأخيرة لا موقع لها في النضال الطبقي خارج تنظيماتها
الذاتية . وكل هذا نابع أصلا من الحكمة الماوية (الأفكار الصائبة تأتي من
الجماهير)..؟(5)
كان اليسار الجديد يريد من حركة لا
استقلال سياسي و لا برنامج لديها بأن يكون
لدى قاعدتها الجماهير وعي المناضلين الثوريين وأن تتخذ ليس فقط بالتطلعات والمشاكل
التي تغذيها ولكن بالمصالح الطبقية للبروليتاريا.
كان ذلك ممكنا ولكن في لحظة معينة
شريطة ان ينصرف الفعل بعدها الى التجذر – باستثمار الثورية المتخرجة من الجامعة –
للعمل وسط العمال والفلاحين والكادحين من اجل بناء حزبهم الطبقي والمستقل ويأخذوا
المبادرة من ايدي الطلاب (وهذا هو معنى الحدود السياسية البرجوازية الصغيرة للحركة
الطلابية وليس قاعدتها الاجتماعية – مذكور سابقا-). ولكن في غياب استراتيجية ثورية
واضحة،وفي ظل بلبلة نظرية وسياسية لم يستطع اليسار الجديد انجاز هذه المهمة التي
تشكل مبرر وجوده. وهنا ايضا لم يكن القمع القاسي الذي تعرضوا له مبررا كافيا للشلل
التنظيمي ولكن ايضا بسبب المركزية البيروقراطية التي حالت دون وجود اشكال تنظيمة
وسيطة تستطيع امداد التنظيم الثوري بالطاقات الصاعدة بشكل مستمر هي التي كانت اهم
الأسباب . لذا ظلت الحركة الطلابية في ظل تجربة الجبهويين تغوص في تناقض بين نضال
طلابي راديكالي مقابل غياب دعم قطاعات المجتمع الأخرى النابع من غياب تنظيم ثوري
قوي . هذا التناقض غذاه وهم استمرار لعب دور الطليعة التكتيكية بشكل دائم مما ادى
في الأخير إلى ان الحركة الطلابية ظلت تفور وتغور وتعيش في دوامة وتراوح مكانها
دون ان تجد مخرجا. مما يتبث خلاصة اساسية مفادها ان التناقض الذي تعاني منه الحركة
الطلابية بين طبيعتها الاجتماعية وعدم قدرتها على ان ترتقي الى اكثر من وجهة نظر
برجوازية صغيرة وبين الدور الطليعي الذي يمكن ان تلعبه في شروط معينة. لن يجد حلا
سوى ببناء حزب العمال الثوري. وفي غياب هذا المخرج لا يمكن لها ان تستمر في لعب
ذلك الدور الطليعي دون ان تجازف بانفراطها كحركة. وهو ما وقع للحركة الطلابية
المغربية في هذه المرحلة تحت قيادة الجبهويين طلابيا واليسار الماركسي – اللينيني
سياسيا.
1 – القاعديون و سيرورة
الانحطاط:
بعد القمع القاسي الذي تعرض له لطلبة
الجبهويون والذي توج بالحظر القانوني للاتحاد الوطني لطلبة المغرب سيستمر نضال
اليسار الجديد داخل الجامعة بصيغة الطلبة اللجانيون و المجالسيون نسبة الى اللجان
الطلابية القاعدية التي احتمى بها هؤلاء لآجل الانغراس في الوسط الطلابي من جهة
ولوقاية الذات وضمان الاستمرار امام شراسة القمع،ثم احلال الذات السياسية في
الجماهير باتخاذ الاشكال التنظيمية لأوطم تعويضا لغياب تنظيم مستقل،وذلك الى حدود
رفع الحظر عن أوطم. ليستأنفوا العمل بعدها بتأسيس تجربة جديدة عرفت فيما بعد باسم
الطلبة القاعديين. وقد انبنت هذه التجربة على اساس نقد الجبهويين ومقررات المؤتمر
15 محددين الاخطاء التالية:
-
الخلط بين العمل النقابي
الديمقراطي والعمل السياسي الثوري.
-
تركيزه (أي المؤتمر 15
)على تحديد الخلفية الايديولوجية لممارسة القوى الاصلاحية عوض نقد برامجها وممارستا.
-
تغليب طابع الصراع على
طابع الوحدة.
-
عدم استيعاب التفاوت بين
وضعية الحركة الطلابية وقدرتها الذاتية والموضوعية والواقع الذاتي لمجموع الشعب
المغربي(6) .
فمن
خلال تفحص هذه الانتقادات نلمس ان القاعديين(ومن خلالهم اليسار)قد حسموا جذريا مع
مفهوم الطليعة التكتيكية بالشكل الذي مورست به،ولكن لصالح اجابة يمينية. فعوض
تطوير التجربة واستثمار دينامية الحركة الطلابية وطابعها الجماهيري كي تساهم في
تغيير ميزان القوى الثورية المبعثرة والدولة البرجوازية من جهة وبين الطليعة التي
ما زالت ضعيفة والبيروقراطية النقابية من جهة اخرى. عوض ذلك استبدلوا مفهوم
الطليعة التكتيكية بأطروحة العمل النقابي الديمقراطي الذي يختلف – على حد قولهم -
عن العمل السياسي الثوري. وهو الكفيل بتجاوز ذلك التفاوت المشار اليه بين نضال
الحركة الطلابية ونضال الشعب(مرة اخرى الشعب وليس طبقته المعنية بالنضال)،كما يجب
تغليب الوحدة على الصراع في العلاقة مع الأحزاب الاصلاحية خاصة وان البرنامج
الديمقراطي لا يتناقض مع طبيعتها الاصلاحية تلك.
ويجد هذا التحليل مستنداته النظرية
والسياسية في المراجعة النقدية،التي قام بها اليسار الجديد في اواخر السبعينات حول
تكتيك واستراتيجية العمل الثوري بالمغرب،والتي اسفرت عن خلاصات تنم عن الهوس
المفرط بالمرحلية " فمن الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية كمرحلة تسبق
الثورة الاشتراكية،ثم خلق مرحلة جديدة هي مرحلة النضال الديمقراطي التي تلتقي فيها
جميع مكونات الصف الوطني الديمقراطي " ثورية كانت ام اصلاحية،لم يقترن
بالنضال الايديولوجي والسياسي ضدها في مواقع ارتباطها الفعلي بالجماهير،سيستبدل
الموقف اليسراوي بنقيضه ليقول بأنها احزاب وطنية ديمقراطية.وتلك كانت نقطة البداية
في سيرورة مستعجلة ذيليا لهذه الاحزاب وتواصله في الأخير الى استيطان مفاهيمه
الليبرالية حول المجتمع المدني ودولة الحق والقانون...الخ.
لذلك كان مفهوم العمل النقابي الديمقراطي
منسجما مع هذا الطرح الجديد خاصة بين طرح القاعديون انفسهم كشكل فريد في النضال
النقابي:فصيل نقابي/سياسي مستقل. وبهذه الرؤية للاستقلالية اخذ القاعديون يكرسون
في اوساطهم فقدان الارتباط بأي مشروع سياسي رغم تبنيهم نفس الشعارات السياسية
لليسار الجديد.
وقد ساهمت عودة النضالات العمالية
والجماهيرية في اواخر السبعينات وبداية الثمانينات في توسيع دائرة تأثيرهم
الجماهيري بالجامعة مستثمرين في ذلك ملفات الاعتقال السياسي والصدى الواسع للثورة
الفلسطينية ويركزا كل خلافاتهم مع الفصائل الاصلاحية على الجبهة التنظيمية بالدفاع
عن اشكال التنظيم القاعدي التي تمنحهم الانغراس في الجماهير الطلابية وتعوض
افتقارهم الى تنظيم مستقل. وهو ما ساهم في صعودهم الكبير الى المؤتمر 17. هذا
الأخير الذي اتى في ظرفية عامة تميزت بالقمع الدموي الذي تلا انتفاضة يونيو 1981
وتكريس انبطاحية الاحزاب الليبرالية و اندماجها في الشعارات الجديدة للحكم حول
المسلسل الديمقراطي والسلم الاجتماعي و الاجماع الوطني حول الصحراء.في هذه الشروط
بدأت اشغال المؤتمر والفصائل الاصلاحية دخلت بنية خيارين،ام الحاق أوطم بشعاراتها
أو افشال المؤتمر،فكان الخيار الثاني هو الذي تجسد عمليا بانسحابها الذي مثل ضربة
الفأس الأولى في قبر اوطم.
امام ذلك الوضع اكتشف القاعديون بأنهم
يوجدون في وضعية عراء سياسي: مجموعة طلابية التقت حول رفض الاصلاحية دون التوفر
على مشروع سياسي ثوري بديل لها . وهو ما نتجت عنه خلافات قوية حول تحمل المسؤولية
في القيادة او القبول بالأمر الواقع .فظهرت اطروحة تقول بان القاعديين لا يمكنهم –
لتفادي تكرار تجربة المؤتمر 15 - تحمل المسؤولية بدون مظلة سياسية.هذه الأخيرة لن
تكون سوى الاحزاب الاصلاحية في حين طرح آخرون ضرورة تحمل المسؤولية من اجل قيادة
كفاحية للمنظمة.لكن النتيجة كانت هي فشل المؤتمر.
وفي ظل ذلك الوضع المشلول وجد الحكم فرصة
التي انتظرها طويلا لإنزال الاصلاح الجامعي الذي رفضه الطلاب في 1975 الى حيز
التطبيق . لقد استوعب النظام ان المسلسل القمعي والشلل الذاتي للحركة الطلابية قد
امال كفة الميزان لصالحه فعمق بذلك الشرخ الحاصل بين طليعة الحركة وجماهير
الطلاب،مما كشف ازمة مفهوم العمل النقابي الديمقراطي الذي استند اليه القاعديون
كاستراتيجة جامعية انبنت على فكرة استقلال النضال الطلابي.فرفض مضمون التعليم
وبرامجه لا يمكن ان يتم باسم مصلحة الشعب بل بأيديولوجية محددة هي الماركسية.
والنضال ضد الجامعة البرجوازية لا يمكن ان يكون مستقلا ومحايدا بل هو نضال سياسي
.وبلغة اخرى لا بد حتى في النضال من اجل مطالب جامعية من نضال سياسي عام ضد الدولة
البرجوازية.نضال لا تكفي فيه الحركة الطلابية وحدها فلابد اذن من الارتباط بالحركة
العمالية،و لأجل ذلك لا بد من منظمة ثورية تمركز سياسيا كل حركات النضال وضمنها
الطلبة.
ذلك ما افتقرت اليه اطروحة النضال النقابي
المستقل حيث وضعت نفسها في تعارض مع العمل السياسي الثوري. ومنذ ذلك الحين اصبح
القاعديون باستقلاليتهم التي قلصوا بها الارتباط التنظيمي باليسار الجديد،يتطورون
بشكل مستقل عن اي مشروع يؤطر نضالهم.وبانحصارهم داخل الجامعة ومشاكلها الضيقة ظهرت
وجهات نظر جديدة داخلهم(وجهة نظر 7 فبراير-المبادرة الجماهيرية)حسموا معها باشكال
بيروقراطية. هذا الوضع هو ما حاولت الى الأمام سنة 1984 تداركه حين طرحت وثيقة
الكراس لإعادة التحكم في القاعديين من جهة ومن جهة اخرى تكريس نفس الفهم للحركة
الطلابية :ضرورة وجود حد ادنى سياسي مع الاصلاحية لهيكلة اوطم كي تساهم في النضال
الديمقراطي.ولكن المحاولة فشلت.اذ رد طرف من القاعديين على الى الأمام بنفس الشعار
الذي نظرت له وطرحته هي نفسها:استقلالية القاعديين.
بعد القمع الذي تلا انتفاضة يناير 1984،وفي
ظل تراجع النضالات الطبقية والشلل التنظيمي لليسار الجديد،استمرت حركة القاعديين
في المزيد من التفريخات،لتبدأ بذلك سيرورة الانحطاط والتآكل الداخلي امام العجز عن
ايجاد مخارج حقيقية لازمة الحركة الطلابية لان استراتيجيتهم الجامعية واستقلاليتهم
منعتهم من ادراك ان الحل يكمن خارج اسوار الجامعة. فانفجرت صراعات دموية بين
مجموعتي الكراس والبرنامج المرحلي. بعدها ظهرت الكلمة الممانعة مع تنامي النضالات
الطلابية من جديد لتعمق الفهم الاكاديمي للنضال الطلابي وتكرس الحسم اليميني مع
اليسار الجديد داعية بدورها الى ضرورة الحد الادنى السياسي مع الفصائل الاصلاحية
عى اساس"خدمة مصالح الحركة الطلابية "ووضعها فوق أي اعتبار سياسي،مغذية
بذلك الوهم بإمكانية انسجام سياسي لوسط طلابي يفتقد لانسجام اجتماعي. وهو ما تجسد
من خلال تجربة اللجن الانتقالية وبعدها الحوار الطلابي الفصائلي. وهو ما لم يفض
سوى الى مزيد من اهدار الطاقات ومن المزيد من تأزيم الحركة الطلابية. ونفس
المضامين هي التي تكررت مع ارضية "وحدة – نقد - وحدة " الصادرة عن نفس
التيار منذ سنة 1994 . اما مجموعة " الكراس " فقد طرحت هي ايضا نفس
المضامين في خطوطها العامة واستمرت تغذي الوهم بإمكانية وقوة منظمة"الى
الأمام " التي ستحل ازمة اوطم بإدراجها في مشروع سياسي عام للنضال الديمقراطي
بجانب الاحزاب الوطنية الديمقراطية معتبرين انفسهم التيار الوحيد الذي يتوفر على
مشروع سياسي منسجم.إلا ان كل هذه الأوهام تكسرت على جدار الواقع بالإعلان عن نهاية
الى الامام وبناء تيار "النهج الديمقراطي".
اما مجموعة البرنامج المرحلي فقد استمرت
في تقديس تجربة الجبهويين ومؤتمرهم الخامس عشر معتبرين القاعديين فصيلا ماركسيا
لينينيا مستقلا يمثل الخط البروليتاري الثوري داخل الجامعة.
وباجتماع كل مقاييس الشعبوية والعفوية
تستمر هذه المجموعة التقليدية في تقديس عفوية الجماهير معتبرة نفسها الممثل الشرعي
لطموحاتهم ومصالحها. وبعصبوية صارخة يعتبرون كل من اختلف معهم ولو من داخلهم
تحريفيا قد يتهمونه ليس فقط بإيقاف المد النضالي للجماهير الطلابية بل ايضا ايقاف
مد الجماهير الشعبية(7) وقد يصل حدود الاتهام بأنه يخدم مصالح البرجوازية
العالمية(8) . وبعبارة ادق تعتبر هذه المجموعة امتدادا ممسوخا لتجربة
الجبهويين في شروط تاريخية مغايرة .
ان تشتت القاعديين وتآكلهم الداخلي الذي بدا
منذ اوسط الثمانينات سيتعمق في السنوات الاخيرة مع الافلاس النهائي لتجربة اليسار
الجديد واتجاهها نحو بناء اطارات سياسية لن تتجاوز حدود الطرح الليبرالي.اذ ادى
ذلك الى تعميق التمايزات داخلهم والى تفريخ المزيد من الرؤى داخل كل زمرة من الزمر
الثلاثة. ومما يغذي هذا التشتت و لا جدوى وجود مجموعات مناضلة داخل كل هذه
التيارات غياب أي تقليد نظري داخل القاعديين طوال تاريخهم وهو ما لا يمنحهم السلاح
النظري اللازم لفهم تلك التطورات ويوجههم نحو الماركسية الثورية التي تشكل البوصلة
النظرية للمناضل الثوري.
ونتيجة لكل هذا ظل القاعديون داخل الساحة
الجامعية يراوحون المكان..نضالات مشتتة ومحلية لا تمر كل معركة منها دون ان تنتهي
بخلافات بين مجموعاتهم قد تؤدي الى العنف في اغلب الحالات. ويستمرون في تكرار يومي
للبطولات والاعتقالات و الاستشهادات،ثم نقاشات سيزيفية حول من يمثل الهوية
القاعدية ومن يملك حق التوقيع بهذا الاسم حتى تمل جماهير الطلاب،فتتعمق عزلتها عن
نضال لا ترى فائدة من اقتحامه.
هكذا اذن يكون الانحطاط
القاعدي الراهن الخلاصة الاخيرة والاستمرار الطبيعي للطفولية اليسراوية لمرحلة
السبعينات. والسبب واحد هو عدم وجود فهم ماركسي لمهمات الثوريين داخل الجامعة.
نبيل عثمان – شتنبر 1998
الهوامش:
1 – بناء الحزب الثوري
تحت نيران العدو ،مختارات منظمة الى الامام 1996.
2 –المرجع نفسه.
3 – ارنست ماندل :
"بلثرة العمل الذهني " فصل من كتاب الطلبة والمثقفون والصراع الطبقي.
4 – المرجع نسه.
5 – إن هذه الحكمة
الماوية ليست صحيحة . فماركس يقول بان الايديولوجية السائدة هي ايديولوجية الطبقة
السائدة. والجماهير اذن ستكون افكارها هي الأفكار الطبقية السائدة فهل هي افكار
صائبة ؟ ثم ما دور المثقفين الثوريين والحزب اذا كانت الجماهير تمتلك الافكار
الصائبة؟
6 "ك-ق" مقال
منشور بمجلة امفي بعنوان " في التطورات الاخيرة للحركة الطلابية " وهو ارضية
للقاعديين .
7 – مقال لأحد مناضلي
البرنامج المرحلي حول " طلبة ام كلثوم وعبد الوهاب " ضمن كتاب توثيقي
جمعه سعيد عبو بعنوان "من هم الطلبة اليساريون ؟ منهم القاعديون؟
8 – نفس المرجع.