هذا النص هو أول أرضية صاغها الطلبة المنتمون للتيار الماركسي الثوري بالمغرب. وهي نتاج مجهود دراسي لتربص تكويني نظم في صيف 1998، سعيا منهم لبلورة نص تأسيسي لفصيل طلابي ماركسي ثوري. هذا الهدف رأى النور سنة 2000 بإعلان اسم الطلبة الثوريين.
===========================
إن التمرد الطلابي لا تكمن أسسه فقط في
التناقضات التي تحبل بها عملية انتقال الجامعة البرجوازية من جامعة تقليدية نخبوية
إلى جامعة تقنوقراطية جماهيرية، فرغم أن هذه الأسس المادية لها دورها في تحفيز
جماهير الطلاب للنضال، إذ أن مضمون الدراسات تحدده أكثر فأكثر قوانين السوق، أي
حاجات الرأسمالية وليس الميول والمواهب الشخصية للطلبة وغدت الجامعات مركبات
صناعية مرتبطة بالمؤسسات الاقتصادية الأخرى دورها هو تخريج الأطر المبلترة ذهنيا
وتعاني الغالبية العظمى منها بطالة جماهيرية مستديمة. إلا أن هذه الأسس المادية لا
تفسر وحدها عوامل انبعات الحركة الطلابية.
أولا: فباعتبار الطلبة مكونا أساسيا للشبيبة
عموما فانهم أول من تمسهم بشكل فاقع أزمة الأيديولوجية البرجوازية. هذه الأزمة
التي تجد جذورها في البنية الاستيلابية العامة للنظام الرأسمالي والتي تشمل كل
خلايا المجتمع وبناه التنشيئية والانتاجية والقانونية.
1 – بنية
العائلة : باعتبار العائلة الخلية الأساسية لإعادة إنتاج نفس العلاقات
الاجتماعية القائمة من خلال بنيتها البطريركية التي تكرس سلطة الذكور على باقي
أفراد الأسرة بحيث أن الأب بشكل أساسي يراقب جميع أبعاد حياتهم ويحدد مصائرهم
ويشكل قطبا للتبعية والارتباط الاقتصادي داخل العائلة. كما أن هذه البنية
البطريركية تتميز بتقسيم جنسان غير متكافئان للعمل بين الذكور والاناث حيث تتبوأ
هذه الأخيرات مكانة دونية تخول استغلال عملها داخل البيت كعمل غير معترف به
اجتماعيا. فهذه البنية البطريركية التقليدية للعائلة تشكل عائقا أساسيا أمام تحرر
الشباب وتكون من منظور آخر حافزا موضوعيا
لنضال الشباب ضد البنيات التراتبية السائدة في المجتمع ككل.
2 – الاستلاب
الجنسي: يكمن فيما تكرسه البنية الثقافية التقليدية السائدة(خاصة الدينية) من
تقييد لحياة الشباب الجنسية ليس وفق اعتبارات علمية (لغياب التربية الجنسية) ولكن
وفق قيم لا عقلانية. وتعاني النساء الشابات أكثر من الشباب الذكور من هذا الاضطهاد
الجنسي ككائن من الدرجة الثانية من منظور المجتمع. ان هذا القمع الجنسي للشباب
يشكل أيضا حافزا موضوعيا لنضالهم ضد البنيات الثقافية التي تقف ضد تحررهم.
3 – بنية
التعليم : تتسم بدورها بالتراتبية على مستوى التنظيم الاداري وعلى مستوى
العلاقات بين مكونات العملية التعليمية بحيث لا يمتلك من هم في حضيض الهرم
التعليمي حق تقرير مصيرهم ، كما أن البرامج والمناهج التعليمية الرجعية السائدة
تتناقض بالكامل مع تطلعات الشباب المتعلم حيث أنها لاتبني عقلا نقديا بقدر ما تعمل
على تدجين وتجهيل أبناء الكادحين.
4 – بنية
التشغيل: باعتبار الشباب المكون الأول في سوق الشغل الرأسمالي لكونه قوة حيوية
وفعالة فإنه أول من يعاني من مشكل البطالة الجماهيرية. فالجامعات أصبحت مؤسسات
لتكوين العمال الذهنيين المبلترين ولكن بنية الانتاج الرأسمالي التبعي عاجزة
بنيويا عن ادماجهم. فأكثر من نصف مليون من حاملي الشهادات في حالة بطالة دائمة ،
كما أن نسبة هامة من القطاعات الصناعية والخدماتية يتم نسونتها للاستغلال الشابات
خصوصا بأجور منخفضة مقابل شدة العمل فالبطالة اليوم اذا يمكن أن تشكل محورا أساسيا
للتعبئة الطلابية والشبيبية عامة.
5 – غياب
الحريات: يعاني الشباب من واقع تضييق الحريات السياسية والثقافية وحريات
التعبير والاعتقاد نظرا للطبيعة الاستبدادية للنظام السياسي مما يؤدي إلى وجود جيش
كبير من الشباب المتمرد كمونا عجزت البنيات السلطوية القائمة وكذا الأحزاب
الليبرالية عن إدماجه ، ليكون ضحية تمرد سلبي بالمخدرات والهجرة والتطرف الديني.
ويعتبر قانون التجنيد الذي فرضته، على غرار سابقاتها ، حكومة التناوب أرقى حلقات
إدماج الشباب في النظام الطبقي من خلال كسبه إلى صف الترسانة القمعية للنظام.
كل هذه الشرو
تتظافر لتكريس الاضطهاد الممارس على الشباب. فالمجتمع البرجوازي بذلك لا يمنحهم أي
ثقب للتنفيس عن أزمتهم وأي هامش لممارسة حرياتهم مما يجعلها القاعدة الموضوعية
للتمرد الشبيبي العام خاصة وأن الشباب كفئة عمرية تتميز بخصائص نفسية واجتماعية
خاصة تجعلها اكثر احساسا من الأجيال الأخرى بثقل هذه الاستلابات وأكثر استعدادا
موضوعيا للوقف ضدها. فالشباب أكثر ميلا لتقديم المصالح البعيدة والعامة على
المصالح الانية والفردية، كما أنهم أكثر حيوية واندفاعا واقدر على كشف أزمة
الايديولوجية البرجوازية حيث يتكشف لهم بشكل يومي التناقض بين ما تلقنه اياهم
مؤسسات التعليم والتربية والاعلام البرجوازية عن مجتمع السعادة الاستهلاكي وعن كون
النظام الليبرالي التجسيد الحي لأرقى الأنظمة التي يحب لبها التاريخ من جهة، وبين
واقع اليأس اليومي و الحروب الامبريالية الوحشية وتبدير قوى الانتاج من جهة أخرى.
ثانيا : ان تحليل
تناقض الجامعة الذي لا يعكس سوى التناقض
الأساسي للنظام الرأسمالي يتيح لنا فهم الجذور الموضوعية للاحتجاج الطلابي وبروز
الحركة الطلابية كقوة اجتماعية، فبالاضافة إلى السياسة التعليمية الطبقية وكون
أزمة الطلاب جزءا من الأزمة العامة للشباب هناك جذر موضوعي آخر هو الأصول
الاجتماعية للطلبة كعامل من عوامل التمرد. فهناك شكلان من المؤسسات التعليمية:
المعاهد والجامعات الخاصة التي تمنح دبلومات وشواهد ذات قيمة مهنية في سوق الشغل
ويستفيد منها أبناء النخب العليا، والأغلبية الساحقة من أبناء الفقراء تلج
الجامعات العمومية. وهناك نخب أخرى تستفيد من تعليم راقي بالخارج لتتشكل ككوادر
عليا وأكثر نخبوية. هذا الشكل من التعليم الطبقي الذي يكرس النخبوية يعني غلبة
الشرائح الفقيرة لطلبة الجامعات. وما يزكي هذه المسألة هو أن جماهيرية الجامعة
البرجوازية بالمغرب ترافقت مع اتخاذ الحركة الطلابية أبعادا راديكالية(أواخر
الستينات والسبعينات).فالجامعة العمومية اليوم أصبحت لا تعني شيئا سوى العدم
والمجهول في أعين الحاصلين على الباكالوريا لكنها أيضا الخيار الوحيد المطروح أمام
ذوي الأصول الاجتماعية الكادحة. وتزيد سياسة اغاء المنح من واقع إقصاء الفقراء حتى
من هذا الحق الذي لا يمنح أي سبيل لترقي اجتماعي مفترض.
والخلاصة أن ثقل الشرائح الفقيرة التي تقوم
بتضحيات مادية جسيمة للحصول على شهادة و بالمقابل بطالة مؤكدة، تجعلها مؤهلة
سياسيا للنضال من أجل تقرير مصيرها.
إذن نخلص إلى أن
الجذور الموضوعية للاحتجاج والنضال الطلابي تنبني على أسس معاداة الرأسمالية
موضوعيا، وهو ميل عام تنجلي من خلاله بالملموس ضرورة الوحدة مع الحركة العمالية
لبناء مجتمع يتحرر فيه العمل الذهني من ضغط ضرورات الربح، مجتمع التسيير الذاتي
المعمم للمنتجين الأحرار المتشاركين، بديلا عن طبقية و لا عقلانية النظام
الرأسمالي.
فهل تاريخ الحركة
الطلابية المغربية يبين أن هذه العوامل الثلاثة (أزمة الجامعة – الطابع الشبيبي
للطلاب – الأصل الاجتماعي الكادح) هي التي لعبت بشكل رئيسي دور المحرك أم هناك
عوامل أخرى ؟ وكيف نفسر عدم استمرار الح.ط.م. في لعب نفس الدور السياسي الذي كانت
تلعبه سابقا في فترات ازدهارها. أي، ماهي عوامل أزمتها ؟ ماهي تجليات ومظاهر هذه
الأزمة ؟ وكيف تفسرها مختلف التيارات الطلابية ؟ و ماهي سبل تجاوزها؟
قبل الحديث عن
مسار الح.ط.م. وتاريخها وأزمتها الحالية نرتئي الوقوف أولا عند الدروس الأساسية
التي استخلصها الماركسيون الثوريون من النضالات الطلابية لما بعد الحرب العالمية
الثانية إلى الآن، وذلك بروح أممية تطرح التجارب التاريخية ليس لتقديسها ولكن
للوعي بالمزايا والأخطاء.
ففي ماي 68
الفرنسي، شتنبر 68 بالمكسيك، ربيع براغ 68، ربيع بيكين 68 ، طلبة المغرب في
السبعينات ، جاكرطا 98 .... ونحن نذكر فقط أبرز الأمثلة لعبت فيها الحركة الطلابية
أدوارا طلائعيا، كانت في الجبهة الأمامية خلال المواجهات، وباعث الحركات
الجماهيرية، وغالبا ما كانت لديها المبادرة السياسية. وهنا أيضا وجب ان نذكر بان
هذا لاعني ان الطلبة أزاحوا البروليتاريا إلى المرتبة الأخيرة في الصراع الطبقي،
ولكن لكي نستخلص تفسيرا ينسجم وهويتنا الماركسية يمكن القول بناءا على الدروس
التارخية لهذه الأحداث ان الدور الطليعي الذي لعبته الحركة الطلابية في بعض الظروف
وما زالت تلعبه، يدخل صمن ديالكتيك"كل من لم تعد" و "ليس بعد"
كما صاغه ليون تروتسكي بمنهجية في كتابه نتائج وتوقعات.ان ماركس ( في كتابه الثامن
عشر من برومير لويس بونابارت) وانجلز ( في كتابه الثورة والثورة المضادة في
ألمانيا) كانا أول من بين كيف ان البرجوازية لم تعد في سنوات 1848 و 1850 قادرة
سياسيا على قيادة تورثها بنجاح،في حين أن البروليتاريا ليست بعد في وضع يسمح لها بان
تحل محل هذه البرجوازية. لقد أسس تروتسكي نظاما لهذا الديالكتيك الذي يكشف ويرسي
فراغا يأوي أشكالا أخرى للهيمنة السياسية. وهذا الفراغ هو نقطة الانطلاقة لفهم
ظهور أنواع البونبارتية و أدوارها. ففي الوقع يشهد هذا الصدع على نهاية صعود
البرجوازية المحفزة باندفاع اليعقوبية الثورية،كما أنه يدشن في نفس الوقت بروز كل
أشكال تأبيد النظام البرجوازي وبقاء الهيمنة السياسية لطبقة منحطة. ومن المرجح أن
الطلبة نظرا لوضعهم الاجتماعي الخاص، ونظرا للعلاقات الخاصة التي تربطهم
بالأيديولوجية السائدة، ينزعون إلى القبوع في مثل هذا الفراغ محاولين سده. ويستحضر
تروتسكي دور الطلبة النمساويين في ثورة 1848 بصورة تذكر بشكل دقيق بدور الطلبة الأندونسيين سنة 1998 قائلا: في
سنة 1848 أظهرت البروليتاريا في فيينا بطولة مذهلة وطاقة لا تنضب فقد باشرت نشاطها
بلا توقف،مدفوعة فقط بحس طبقي فضفاض دون أي تصور عام لأهداف المعركة. كانت تسير من
حل لأخر. كانت قيادة المعركة تعود بشكل مذهل للطلبة، الذين يشكلون المجموعة
الديمقراطية الوحيدة النشيطة التي كان لها بفضل نشاطها تأثير كبير على الجماهير
ومن تم أيضا على الأحداث. كان الطلبة قادرين على خوض المعركة دون أدنى شك ببسالة
على المتاريس، وان يتآخوا، من أجل شرفهم، مع العمال. لكنهم كانوا عاجزين
نهائيا على الاضطلاع بالقيادة لمواصلة الثورة.
إلا ان الفارق
الذي أشار إليه ماركس وانجلز يقع بين عجز البرجوازية السياسي ونقص النضج الموضوعي
للبروليتاريا. فما كان صحيحا في 1850 بأوروبا،1905 بمصر والصين لا يمكن أن يبقى
كذلك في فرنسا 68 أو أندونيسيا 98، بعد أن أثبتت البروليتاريا مرارا نضجها
الموضوعي. حين ذاك يقع الفارق ليس بين الانحطاط البرجوازي وضعف و ضعف
البروليتاريا. وهو الذي يسمح للح.ط.(كما يمكن أن يسمح لأنظمة سياسية أكثر فظاعة
كالفاشية والبونبارتية) بشكل فجائي لإعادة احتلال ظرفي لمقدمة الحلبة السياسية.
ان الطلبة وهم
منغرسون في أزمة الجامعة ومهيئين ومعبئين بشكل جماهيري، يسمح لهم وضعهم ذاك، أمام
استقالة القيادات العمالية، بلعب دور الطليعة في ظروف معينة. بيد أن الطلبة لن
يستطيعوا الاجابة بأنفسهم عن مشاكل التي ستجابههم في هذه العملية، وليسوا قادرين
على رسم خط برنامجي مستقل عن الحركة العمالية.
ذلك ما وقع
للحركة الطلابية المغربية خاصة في بداية السبعينات إذ أنها احتلت آنذاك وضعا
متقدما في الصراع بتجدر شعاراتها وبلورتها تنظيميا وبرنامجيا لتطلعات الشبيبة في
القضاء على النظام البرجوازي. فمن جهة "لم تعد " دولة البرجوازية آنذاك
قادرة على التحكم الدقيق في الأوضاع المتفجرة حيت تعرض داخليا لمحاولتين
انقلابيتين أشرت على ضعفه وأزمته الداخلية، ومن جهة أخرى عجز المعارضة البرجوازية
و الشعبوية عن أن تكون بديلا سياسيا
للأتوقراطية. وليس بعد الحركة العمالية قادرة ذاتيا على اخد المبادرة
السياسية في الصراع الطبقي نظرا للتحكم البيروقراطي فيها كوجه لانغراس الفكر
الاصلاحي داخل العمال. اضافة إلى عجز الحركة الماركسية اللينينية المغربية عن
التجدر في العمال والفلاحين للتشكل كبديل ثوري أمام احتضار البرجوازية.
نقطة الفراغ تلك
صادفت وضعا عالميا اتسم بالمد الثوري على اثر هزيمة يونيو 67 والثورة الثقافية
الصينية ثم ثورة ماي 68 التي خلقت نقاشات واسعة حول عوامل المد الثوري الشبيبي
وأدوار الحركة الطلابية في الثورة.
ان هذا الوضع
العالمي ووضعية الفراغ الناتجة عن الديالكتيك المذكور بالاضافة إلى نشر المنظمات
الماركسية اللينينية المغربية اطروحاتها حول كون الشبيبة الطلابية والتلاميذية
طليعة تكتيتكية للثورة المغربية غذت حماسا عاما نتج عنه تجدر الأفكار الثورية داخل
الحركة الطلابية ترجمته في البداية أطروحات المؤتمر 13 لأوطم وكان التتويج بالبيان
السياسي للمؤتمر 15 الذي عرف الهيمنة المطلقة لفصيل الجبهة الموحدة لفصيل الطلبة
التقدميين الذي كان بمثابة الامتداد الطلابي لمنظمتي إلى الأمام و23 مارس. ولإدراك
النظام خطورة الدور السياسي الذي أصبح يقوم به أوطم عمد في 24 يناير 1973 إلى
الحظر القانوني للمنظمة. إلا أن العمل السري القاعدي الذي قام به الطلبة الجبهويون
بعد الحظر إضافة إلى الدعم السياسي الخارجي استطاع ان يفرض المشروعية القانونية
لأوطم. فكانت نهاية السبعينات إلى حدود انعقاد المؤتمر 17 حافلة بالنضالات
البطولية للطلبة كان محور تجذيرها هو الفصيل القاعدي. لكن مباشرة بعد إفشال هذا
المؤتمر دخلت الحركة الطلابية دوامة أزمة مستديمة لم تخرج منها إلى حدود الآن.
ثمة درسان
أساسيان إذن يمكن أن يؤكد بأن كل تاريخ الحركة الطلابية ومنها تاريخ أوطم يؤكد صحتها
بالكامل:
الأول: أن تطور النضال الطلابي من نضال ضد الجامعة البرجوازية وشروط
التعليم فيها إلى نضال عام ضد النظام
البرجوازي لا توجد بواعثه الأساسية وعوامل حسمه داخل أسوار الجامعة بل خارجها.
فالنضالات المسيسة للطلاب الأوربيين (خاصة إيطاليا وفرنسا وألمانيا) كان أول محرك
لتسييسها هو القضية الفتنامية والتضامن العالمي الذي خلقته ثم حرب الجزائر بل كل
نضالات الحركة التحررية من الاستعمار آنذاك. فكان أن أدى ذلك إلى تفجير النقاش حول
الامبريالية والحروب الاستعمارية مما أفضى إلى ميل طلابي عام نحو الفكر الاشتراكي.
ولم تلعب في ذلك المشاكل الجامعية سوى دورا ثانويا. وكذلك الشأن بالنسبة للح.ط.م.
فأسباب التعبئة الراديكالية العامة التي عرفتها طيلة فترة السبعينات لا تكمن في
مشاكل التعليم الجامعي حصرا، بل اقترنت بموجة التسييس العام للشبيبة العالمية كلها
وكانت محاور التسييس هي القضية الفلسطينية بالاضافة إلى محور أساسي هو أن اوطم
وتجدره لم يبلور ويعبر سوى عن سخط الشباب ( ليس على شروط التعليم فقط) بل على
الاستقلال اللقيط لسنة 56 وعلى الاضطهاد السياسي والبؤس الاجتماعي. وقد تصرف اوطم
انذاك كمنظمة سياسية لها وزنها في الصراع وتعبر عن مواقف وآراء الشباب المغربي من
كل القضايا واستطاعت ان تترجم عملا برنامجيا(لكن معاقا) ينخرط في مسلسل بناء الحزب
الثوري كأداة للتغيير الجدري بعد اقتناع الطلاب بلاجدوى المساومات الاصلاجية. فمفتاح
تسييس الحركة الطلابية المغربية إذن كان خارج الجامعة، أي في السياق السياسي
الوطني والعالمي، حيث وجد صراع الطبقات في بوتقة التناقضات التي يمثلها الوسط
الطلابي مجالا خصبا انبجس فيه بقوة في لحظات احتداده.
الثاني: هو أن الحركة الطلابية
رغم الدور الطليعي الذي قد تلعبه في بعض الشروط لا يمكن أن نستمر على القيام به
دوما. وذلك الدور الطليعي تكون به الح.ط. بمثابة مفجر لخزان التناقضات الاجتماعي
في غياب من يقوم بذلك الدور وهو الحزب الثوري. وذلك كان الخطأ القاتل في تجربة
الجبهويين.أي بمعنى كان الخطأ القاتل في أطروحة الطليعة التكتيكية التي عملت بها
المنظمات الماركسية اللينينية. فمن جهة ليست هناك طليعة تكتيكية وأخرى استراتيجية
من منظور الماركسية الثورية غذ أن الطبقة الثورية في المجتمع الرأسمالي هم العمال وهم طليعة النضال من أجل البديل
الاشتراكي ويقوم حزب العمال الثوري بدور المركزة السياسية لجميع النضالات الموجهة
ضد البرجوازية سواء منها النضالات العمالية أو نضالات الطيفات والشرائح الاجتماعية
الكادحة. ولكن من الممكن في ظرفية وجود انوية ثورية ضعيفة لمثقفين ثوريين (كما هو
الحال في بداية السبعينات ) ما زالوا لم ينغرسوا داخل طبقتهم،ان يعتمدوا على
نضالات الحركة الطلابية، للتجذر داخل الطبقات الأساسية (العمال وكل الكادحين) ومن
الممكن كذلك في تلك الشروط أن تلعب الحركة الطلابية أدوارا طلائعية وتملأ الفراغ
الحاصل نتيجة الديالكتيك السابق ذكره. وليس ذلك عيبا، بل العيب والخطأ الذي سقط
فيه اليسار الجديد كغيره من الحركات والأطروحات الماوية في حركات طلابية أخرى، هو
وهم استمرار لعب دور الطليعة من طرف الطلاب بشكل دائم.فثورة ماي 68 بينت بشكل صارخ
أنه لا يمكن للطلاب ان يعوضوا دور طليعة عمالية ذات تربية سياسية وتنظيم صلب،
وبينت أزمتها مباشرة بعد ماي أنها لم تقم سوى بملأ الفراغ الحاصل في الصراع السياسي
وقيادته ولن تستطيع الاستمرار دائما في القيام بذلك الدور. فاليسار الجديد لم
يستوعب ان هناك تناقضا فعليا بين الطبيعة الجماهيرية للحركة الطلابية، طبيعتها
الاجتماعية، عدم قدرتها على الارتقاء إلى أكثر من وجهة نظر سياسية برجوازية صغيرة،
وبين الدور الطليعي الذي يمكن أن تقوم به شروط محددة. ولا حل لهذا التناقض سوى
ببناء منظمة ثورية تنغرس في الوسط العمالي وتضطلع بالقيادة الاستراتيجية للنضال.
وللأسف حين اقتنع الطلبة الجبهويين (أي اليسار الجديد) بعدم صحة أطروحة الطليعة
التكتيكية، لم تكن مراجعتهم لها لصالح طرح ماركسي يتناول الحركة الطلابية من منظور
بروليتاري، بل لصالح أطروحة يمينية مبني على الاستراتيجية الجامعية وهو ما جسده
تأسيس فصيل الطلبة القاعديين الذي انبنى على وهم اطروحة النضال النقابي والسياسي
الذي سقط فيه المؤتمر 15 وكذا ضرورة العمل الموحد مع فصائل الأحزاب الاصلاحية. كل
هذا من أجل توحيد الصف الطلابي للنضال الديمقراطي الذي طرحه اليسار الجديد إبان
حسم النقاشات الجارية أنذاك حول
الاستراتيجية والتكتيك بالمغرب. وبلغة أخرى هو البحث الواهم عن انسجام سياسي لوسط
طلابي يفتقد إلى الانسجام الاجتماعي وتلك مثالية في العمل السياسي لمن يدعي
الماركسية. وكانت الصيغة العملية لهذا الطرح هو فصيل طلابي مستقل(؟؟) اسمه
القاعديون.؟؟
ان مأساة الطلاب
اليساريين منذ السبعينات وكذا الدرس التاريخي الذي تتيحه لنا التجربة حاليا هو أن
الجبهويين ناضلوا لإسقاط الحكم كطلبة وحلوا محل العمال والكادحين وطليعتهم
الحقيقية، فكان كفاح أربع سنوات بسجونه ومنافيه وبطولاته التي تستحق التقدير كافية
لتوضح الأخطاء القاتلة. وناضل بعدهم كفصيل ديمقراطي ومستقل سيج نضاله برنامجيا
بجدران الجامعة من أجل مطالب نقابية فئوية وهو ما لن يتحقق سوى بنضال سياسي طبقي
عام يقوده حزب عمالي ثوري.
فمن الطليعة
التاكتيكية لدى الجبهويين إلى اعتبار الح.ط. حركة ديمقراطية لدى القاعديين ومحدودة
بأفق الاستراتيجية الجامعية، كان مسار أزمة أطروحات اليسار الجديد للحركة الطلابية
ووضعها الحالي هو النتيجة الطبيعية.
الحركة الطلابية
المغربية ودوامة الأزمة المستديمة:
إذا كانت
الح.ط.م. – كما سلف ذكره – قد لعبت أدوارا طلائعية في مرحلة ازدهارها فقد دخلت منذ
بداية الثمانينات مرحلة أزمة عميقة لم تتجاوزها إلى حدود اليوم. فمن جهة وقع تحول
عام في الدورات المستقلة من الصراع الطبقي على المستوى العالمي تمثل في تراجع المد
الثوري الشبيبي ومن جهة أخرى فان عدم بناء بديل ثوري محليا يستطيع الاجابة على
الأزمة العامة للرأسمالية التبعية وضمنها أزمة الجامعة . كل هذا دفع الحركة
الطلابية إلى ان تخور وتغرق في دوامة مفرغة لا مخرج منها سوى بحل التناقض الموضوعي
الموجود في أساس أزمتها. وأمام وضعها هذا وجد النظام الفرصة سانحة للانقضاض على
الطلاب في اطار وضع سياسي عام اتسم باستعادة الدولة البرجوازية لقدرتها على تسيير
الأزمة أمام عجز الحركة العمالية وكافة الحركات الاجتماعية الأخرى.
عوامل الهجوم
البرجوازي وتجلياته:
أمام أزمة
السياسة الاقتصادية للدولة التي يكتفها برنامج التقويم الهيكلي في شطريه لتأهيل
الاقتصاد الوطني للانخراط في النظام الرأسمالي العالمي التبعي المتسم بالهشاشة ولم
يستطع القيام بأي اقلاع اقتصادي للاندماج في ركب العولمة وبناء مناطق التبادل
الحر، لكونه اقتصادا زراعيا موجها نحو التصدير، وغياب بنية صناعية قوية وثقل
المديونية وخصوصية الرأسمال المحلي (كونه عائليا، غير منتج، تابع للدولة) وخضوع
الاقتصاد لثق الادارة ثم طبيعة النظام السياسي؟ هذه الأزمة الاقتصادية ستعمق من
تبعيته المطلقة للرأسمال الاحتكاري العالمي عوض تأهيله لمنافسته.
وأمام الأوضاع
الاجتماعية المتردية الناتجة عن تركز وتمركز الثروات في أيدي قلة قليلة من
البرجوازيين مقابل تشريد العمال وطردهم وتقنين الهجوم عليهم بإصدار مدونة الشغل
الجديدة، ثم اثقال كاهل الكادحين بالضرائب وغلاء الأسعار مقابل ضعف القدرة
الشرائية، وتفشي البطالة جماهيريا حتى في صفوف الشباب المتمدرس، وتأزم وضعية
النساء لأن انسحاب الدولة من مجال الخدمات العمومية وقوة الاستغلال الممارس على
العمال يزيد من إلقاء الخدمات غير المعترف بها كعمل اجتماعي على كاهلهن.
ومن أجل تسيير
الأوضاع المتأزمة هاته، ولضمان السير الهادئ لتطبيق التقويم الهيكلي رتب النظام
لعبة سياسية جديدة سميت بتجربة التناوب تم من خلالها إدماج أحزاب المعارضة
الليبرالية بهدف تجديد مصداقيته الشعبية وتوسيع قاعدته الاجتماعية وإضفاء الشرعية
الديمقراطية على الطابع الاوتوقراطي للحكم. ومقابل ادماج الأحزاب الليبرالية في السياسة العامة للحكم وقف اليسار الجديد
بحكم أزمته البرنامجية عاجزا عن بناء معارضة راديكالية جماهيرية، في الوقت الذي برز فيه الاسلاميون كقوة سياسية
منظمة سواء داخل المؤسسات أو خارجها كمعارضة رجعية تطرح البديل الاسلامي وهي مؤهلة
– إذا استمرت أزمة اليسار الثوري – لملئ
الفراغ الحاصل في قيادة الحركة الجماهيرية. أما الحركة العمالية فبحكم
هيمنة البيروقراطية وواقع التشتت النقابي فان معاركها المحلية والقطاعية رغم
كفاحيتها تتبخر في غياب عمل نقابي ديمقراطي يطرح أفقا سياسيا لهذه النضالات بشكل
مركزي. في حين يقف الطابع الفئوي لحركة المعطلين ونخبوية العمل الحقوقي والنسائي
عوامل كبح لتجدر دينامية نضالية جماهيرية تكون هذه الحركات أساسها. فما موقع
الح.ط. في هذا الوضع السياسي العام؟
بالطبع ليس أمام
النظام الأوتوقراطي ما يقدمه لجماهير الطلاب من أبناء العمال والكادحين سوى المزيد
من الاصلاحات الجامعية المحكومة بهدف تخلص الدولة من أعباء التعليم العمومي
ولإنجاح هذه السياسات نالت الح.ط. كغيرها من قطاعات النضال الجماهيري نصيبها من
القمع الذي بلغ ذروته مع صدور الدورية الوزارية الثلاثية 20 يناير 97، و الهجومات
المتتالية على المعارك الطلابية في كل
المواقع الجامعية بل وعسكرتها بزرع جهاز الأواكس للقمع اليومي لأبسط
الاحتجاجات.ولكن الح.ط. رغم كثافة هذا الهجوم القمعي على كل الواجهات لم تستطع
بلورة كفاح طلابي وطني قادر على صد هذا الهجوم، بل سارت من أزمة إلى أخرى وغرقت في
بحر صراعات فصائلية عنيفة لا تعرف الحدود واخترقتها القوة السياسية والتنظيمية
للتيارات الرجعية الدينية في غياب قطب سياسي يملئ الفراغ الحاصل في قيادة الحركة
الجماهيرية اجمالا.
ازمة النضال
الطلابي تتويج لسيرورة تاريخية
ان الوضع الحالي للح.ط. الذي تقف فيه موقف العاجز عن النضال الحازم ضد
سياسة الدولة البرجوازية ليس وليد اليوم، بل هو فقط تتويج لسيرورة تاريخية من
النكسات. فمنذ فشل المؤتمر 17 للنقابة الطلابية أ.و.ط.م والقمع الوحشي الذي تلاه
مع انتفاضة الجوع سنة 1984 الذي قضى نهائيا على الاجهزة التنظيمية سادت أزمة عميقة
اذ تم الاجهاز حتى على المكتسبات النقابية السابقة وغاب أي جهار تنظيمي محلي ووطني
يؤطر النضالات الجامعية إلى حدود الثمانينات الذي عرف نهوضا طلابيا جديدا بالتوازي
مع النهوض العام انذاك لكل الحركات الاحتجاجية ولم تملك الفصائل الأوطمية أمامه
سوى اللجن الانتقالية التي استطاعت في بداية تأطير النضالات النقابية والثقافية
ولكن نظرا لطابعها الفوقي وطبيعة تركيبتها السياسية اللاديمقراطية، التي كانت
محكومة بنظام الكوطا السياسية بين الفصائل، لم تستطع الاستمرار في لعب الأدوار
التي قامت بها في بدايتها. وكان فشل التنسيق الوطني الذي دعت إليه اللجنة
الانتقالية بجامعة فاس سنة 1991 بالاضافة إلى مؤامرة الارهاب الأصولي على المواقع
المتقدمة نضاليا في أكتوبر من نفس السنة
العوامل التي دقت المسمار على نعش هذه الاجابة التنظيمية فأخدت جميع اللجن في التلاشي
التدريجي. وفي سنة 1994 باشرت فصائل الأحزاب الليبرالية بالاضافة إلى أحد تيارات
القاعديين وهم القاعديون التقدميون لقاءات سميت " بالحوار الفصائلي "
وعقدوا اجتماعات متتالية افضت في الأخير إلى ركام من التقارير والبيانات. في حين
طالب القاعديون (الكراس) بالمشاركة في هذا الحوار وندد "النهج الديمقراطي
القاعدي" بتحالف التحريفية مع البيروقراطيين.
فمن الأزمة التنظيمية مع
افشال المؤتمر 17 نحو تلاشي اللجن الانتقالية إلى فشل الحوار الفصائلي كانت سيرورة
تاريخية أوصلت التحرك الطلابي إلى الوضعية التالية:
1 – غياب فعل نضالي وطني و منظم
قادر على صيانة المكتسبات التاريخية للطلبة. فبفعل كثافة الازمة التي
يعيشها الطلبة سواء كطلبة أو كأبناء للاسر العمالية والكادحة يخوضون نضالات بطولية
اذ لا تخلو اغلب الجامعات من مناخ الاعتصامات والتظاهرات والاسابيع الثقافية
وحلقات النقاش اليومي بل ان هذه النضالات تصاعدت ديناميتها منذ الموسم الجامعي
97/98 بمسيرات حاشدة وتظاهرات خارج الشارع في صدام مباشر مع قمع الدولة.ولكن هذه
النضالات لا أفق لها بفعل مجموعة من العوامل.
v
الطابع المحلي لهذه
النضالات وعدم قدرتها على خلق تجذر نضالي يقود نحو معارك وطنية تنظم مواجهة طلابية
مركزية ضد الهجوم المركزي للدولة.
v
محدودية المطالب التي
تناضل من أجلها هذه المعارك. فنظرا لطابعها المحلي غالبا ما تغرق في مشاكل جزئية
خاصة ولا تلمس المطالب الكبرى الرئيسية الا في الخطابات التحريضية. اما على
المستوى العملي فالمطالب المركزية غائبة مع غياب النضالات الوطنية المركزية.
v
محدودية اشكال النضال اذ
انها لا تتجاوز الاساليب الكلاسيكية بالاعتصام اما مقر الادارات او بعض الشعب أو
التظاهرات التي تطوف رحاب الجامعة وقليلة هي النضالات التي تتجاوز جدران الجامعة.
ومن جهة اخرى تتبين محدودية أشكال النضال والمطالب في عدم انفتاحها على شرائح
اجتماعية أخرى خاصة منها الشباب كالمعطلين الذين يتقون موضوعيا مع الطلاب حول مطلب
ملموس هو البطالة، وكذا التلاميذ الذي كان من المفروض إخراج النضال من أجل المنحة
من الجامعة نحو الثانويات أيضا كمشكل مصيري أمام التلاميذ في مستقبلهم الجامعي.
ناهيك عن العمال حيث توجد مجموعة من المطالب التي ترتبط فيها حق الشغل بحق
التعليم.
2 – غياب العمل على بناء تنظيم ذاتي ديمقراطي للجماهير الطلابية كي
تسير نفسها بنفسها. ففي الواقع الحالي الذي ليس فيه ا.و.ط.م. سوى اسطوانة تاريخية
من النضال والاعتقالات والمنافي والمؤتمرات... في ذهن مجموعة طلابية مسيسة تضيق
دائرة تأثيرها وفي غياب أي شكل من أشكال التنظيم داخل الجامعة تبقى المبادرات
النضالية محتكرة بيد هذه الأقلية وتتحكم في أي تحرك طلابي لتكون بذلك أشكال النضال
الطلابي في حد ذاتها مرهونة بأوضاع الحسابات السياسية للفصائل.
كان من المفروض إذن أن توجد
تنظيمات ذاتية للجماهير الطلابية (لجن الأقسام،لجن الشعب،مجالس المناضلين،لجن
الاضراب،لجن الاعلام،الثقافة...) بحيث تكون قنوات يتمرس فيها الطالب على التربية
الديمقراطية وعلى النضال القاعدي الحازم مما يوسع دائرة الطليعة و يغديها بالطاقات النضالية بشكل مستمر. لكن الوضع
التنظيمي الحالي الذي لا يتجاوز إفراز بعض اللجن المؤقتة للمعارك المطلبية بل هناك
بعض المعارك التي لا تنظيم لها، تكمن أسبابه في طبيعة القوى السياسية العاملة في
ا.و.ط.م. فالنهج الديمقراطي القاعدي يقول بأن الشروط الحالية ليست لتنظيم وهيكلة
النقابة وإنما للنضال فقط بدون تنظيم أما القاعديون والقاعديون التقدميون وباقي
الفصائل الليبرالية فهم يطرحون ضرورة تنظيم ا.و.ط.م. ولكن وفق تمثيلية فصائلية
فوقية تعمق الحجر على الجماهير الطلابية وفق رؤية سائدة لدى أغلب مناضلي الحقل
الجامعي بان الجماهير الغفيرة من الطلاب غير مبالين ولا مسيسين.
3 - عزلة النضالات الطلابية عن
الحركة العمالية والحركات الاجتماعية: تعتبر النضالات التي يقوم بها الطلبة جد
معزولة عن محيطها النضالي وهذا كله راجع من جهة لمحدودية مطالبها وأشكالها
النضالية إذ ان النضال من أجل صد الإصلاح الجامعي يستلزم أوسع تعبئة عمالية وشعبية
تشكل سندا نضاليا للمعركة الطلابية وكذلك الشأن لمجمل المحاور الأخرى للنضال ومن
جهة أخرى بسبب العجز السياسي للقاعديين الذين كانوا من المفروض بانتسبهم للماركسية
أن يلعبوا دور توجيه الحركة الطلابية نحو هذا الاتجاه. وهذا الوضع هو الذي يؤبد
حالة انغلاقية وعزلة النضالات عن بعضها الاخر سواء العمالية أو الطلابية أو
الفلاحية أو نضالات المعطلين...الخ ويجعل الحركة الطلابية تسقط في الطوباوية و
العجز نتيجة وجود نضالات بطولية لكنها غير منظمة ومحكومة بأفق واضح في غياب أي دعم
من القطاعات الأخرى. فقد طرح النضال ضد الاصلاح الجامعي أمام الحركة الطلابية في
سياق سياسي عام فيه طرحت أيضا مدونة الشغل على العمال وكان ضروريا توحيد النضالات
الطلابية والعمالية إذ ان الطلاب وحدهم كيفما كانت بطولة كفاحاتهم لن يستطيعوا
بشكل معزول النضال ضد التعليم البرجوازي لأن ذلك يستلزم النضال العام ضد الدولة
البرجوازية وهو ما لن يقوم به الطلاب سوى إذا توحد واقع كل الكادحين تحت راية
الطبقة العاملة. وكذلك طرحت أمام الح.ط. في الموسم الجامعي 97/98 فرصة ذهبية للعمل
على فك العزلة الطلابية والعمل على توحيد النضال الشبيبي ضد مشكل ملموس هو
البطالة. ففي 26 أكتوبر نظمت الجمعية الوطنية لحملة الشواهد المعطلين بالمغرب
مسيرة شعبية دعت إليها الطلاب والعمال وكل أنصار النضال ضد البطالة. لكن الح.ط. لم
يتحرك فيها أي ساكن ولم يتزعزع وحش النضال الطلابي الفئوي المعزول من مكانه. فلم
تتجاوز الح.ط. حدود مشاركة بعض مناضلي الفصائل السياسية لا.و.ط.م. فيها بالرباط.
إننا نقر بالواقع الموضوعي الذي يجعل مهمة توحيد النضالات القطاعية صعبة،
لكن رغم ذلك هناك إمكانات واقعية لا يتم استغلالها وأيضا فالعمل على توحيد
النضالات هو السبيل الوحيد للعمل على تجاوز المعيقات الموضوعية التي تؤدي إلى
تشتيتها. ان المشكل الجوهري لا يكمن فقط في الشروط الموضوعية (قوة الاصلاحية
والبيروقراطية في الحركة الجماهيرية وغياب حزب العمال) بل يكمن بشكل أساسي في
أطروحة النضال النقابي الطلابي المستقل التي تجثم على الحركة الطلابية اليوم.
4 – ظهور الحركات الاسلامية الرجعية واكتساحها للساحة الطلابية: منذ بداية
التسعينات، وبعد تجاوز الاسلاميين لبعض الإنتقادات الموجهة لأ.و.ط.م. من قبيل
وصفها بالاتحاد الوثني لملاحدة المغرب الذي وضعت به نفسها عمليا خارج ا.و.ط.م.،
انتقلت مع اعلان فصيل العدل والإحسان والجماعة الاسلامية سنة 1991 إلى مرحلة
الحديث باسم أوطم. فأسست اللجن الاعدادية على غرار اللجن الانتقالية الأوطامية.
لكن قوتها في تجنيد الجماهير الطلابية لم تبدأ إلا مع الموسم الجامعي 95/96 هذه
القوة تغذت من ثلاث عوامل أساسية:
¨
ارتباط الطلبة الاسلاميين
بتنظيماتهم السياسية وهو ما وفر لهم جميع الامكانات المادية وكذا البرنامجية
للعمل. وهنا تكمن قوتهم إذ ان نضالهم الطلابي وفق هذا المنطق نضال ليس من اجل
التصدي للإصلاح الجامعي أو لتجاوز مآسي الطلبة ولكن من أجل المشروع السياسي العام
لإقامة الدولة الاسلامية ( خاصة بالنسبة للعدل والإحسان الذي تقدم بعيدا في خطته).
¨
حملة العنف السياسي
الارهابي التي نظمتها هذه الجماعات بتنسيق مع النظام ضد الطلبة اليساريين في
المواقع النضالية المتقدمة في أكتوبر 1991 حيث ساعدت بذلك على اجتثاث الفعل
الطلابي أو إضعافه في بعض المواقع.
¨
أزمة اليسار الطلابي خاصة
القاعديين والتي تنبع من الأزمة السياسية العامة لليسار الجديد ساعدت على عدم
امتلاكه برنامجا فعليا لحل أزمة الح.ط. وهو ما خلق وضعية فراغ استفادت منها الحركة
الاسلامية.
باستفادتها من
هذه العوامل عملت على هيكلة نقابية وفق ما سمته بمقررات المؤتمر 16 فبنت على
الأصعدة المحلية تعاضديات ومكاتب الفروع وعلى المستوى الوطني أسست في مارس 98 لجنة
التنسيق الوطني وبدأت تهيئ للمؤتمر الاستثنائي. وأمام هذا التقدم السياسي
والتنظيمي للأصولية في العمل على امتلاك وسائل التجنيد والتعبئة الطلابية الواسعة
تقف التوجهات اليسارية في موقع المتفرج تندد بالسطو على تاريخ أوطم وارثها الكفاحي
والعاقل منهم يقول ( وهو لا يدري ان أقوى التنظيمات المؤهلة لقيادة الجماهير اليوم
هم الاسلاميون) دعوهم يؤسسون لجنة التنسيق وحتى المؤتمر فان مشروعهم فاشل بسبب
عزلتهم السياسية في حين تنحو بعض التوجهات نحو التحالف معها، وتتذبذب الأخرى في
صياغة موقف حاسم. فأمام الزحف الرجعي إذن، تصبح الحركة الطلابية أمام خيارين: بناء
نقابة كفاحية أو البربرية.
5 – سيادة العنف
السياسي داخل الحركة الطلابية سواء الارهاب الرجعي الذي تمارسه الحركات الاسلامية
ضد الطلبة اليساريين تحت راية محاربة الالحاد والكفر عاملة على اجتثاث جميع مظاهر
النضال الاشتراكي داخل الجامعة وسواء ايضا الارهاب اليساري/اليساري الذي ينظمه
بشكل أساسي "النهج الديمقراطي القاعدي " تحت راية محاربة البيروقراطية
والتحريفية. وتعتبر جامعة محمد ابن عبد الله بفاس النموذج الحقيقي للدور الكابح
والسلبي الذي يلعبه العنف السياسي بتعميق ازمة الحركة الطلابية. فكم من معركة
نقابية حقيقية التفت حولها الجماهير الطلابية وكم من تظاهرة تقافية قوية ولكن
العنف كان السبب في فشلها إلى الجد الذي تتصور فيهه أغلب الجماهير الطلابية النضال
الأوطمي كصراعات مسلحة بين تيارات سياسية لها مشاكلها الخاصة خارج الجامعة، ويؤدي
بها إلى العزوف عن هذه النضالات اذن فان احد الشروط الاساسية للبناء النقابي
القيام بحملة دعاوية وتشهيرية منظمة ضد العنف السياسي بين تيارات أوطم والتنديد
بالعنف الرجعي ومحاربته.
6 – غياب فريق نقابي كفاحي مهيكل قادر على قيادة نضالات الحركة
الطلابية وفق منظور يتجاوز أزمتها الحالية. وذلك لأن أزمة القاعديين كانعكاس
للأزمة السياسية لمنظمات اليسار الجديد خلقت فراغا على مستوى القيادة وهذا لا يعني
بشكل مطلق غياب قيادة قاعدية للنضالات وذلك لأن أغلب ان لم نقل كل النضالات
الطلابية تكون تحت القيادة القاعدية (باستثناء النضالات المؤطرة من طرف
الاسلاميين) ولكن نظرا للأزمة الذاتية للقاعديين ولغياب برنامج حقيقي يحل أزمة
الحركة الطلابية في إطار حل للأزمة العامة للنضال العمالي والشعبي فان هذه الريادة
القاعدية الميدانية هي نفسها تغدو عامل أزمة يؤدي إلى تشتت هذه النضالات وتأكلها
في غياب أي أفق استراتيجي لها.
7 – ويتغدى هذا
الفراغ على مستوى قيادة الح.ط. بضعف المناضلين اليساريين الثوريين الذين يصطفون
على يسار تجربة القاعديين ولا يلتقون معها سواء على المستوى الأيديولوجي أو
السياسي فمن الواجب إذن تجميع كافة المناضلين المنتسبين للكفاح الثوري ضد
الرأسمالية لتشكيل فريق كفاحي يتمحور حول بناء النقابة. هذه هي العناوين العريضة
لدوامة الاستنزاف التي تعيشها الحركة الطلابية والتي ستستمر لا محالة بل وستؤدي
إلى توضيح الصورة الحقيقية لنقابة أوطم التي لا تتواجد سوى كرصيد تاريخي في أذهان
المجموعات الطلابية المسيسة. وإذا استحضرنا التهديد الذي تمارسه الحركات الرجعية
الدينية ليس ببرنامجها الرجعي لكن بقوتها التنظيمية وعلى المستويات المحلية
والوطنية بالإضافة إلى غياب أية قوة سياسية يسارية تطرح برنامجا يخرج الح.ط. من
أزمتها، فإن واقع الهجوم الطبقي على الطلاب مقابل الأزمة البرنامجية لكل التيارات
العاملة في الحركة حاليا يحتم ضرورة العمل على بناء نقابة وحدوية معادية
للرأسمالية تضم مجموع توجهات الحركة التي تنتسب إلى نضال الطبقة العاملة. أي نقابة
تجمع كل من هو مستعد لخوض نضال ضد السياسة البرجوازية دون مهادنة الانتهازيين
والليبراليين بل عبر محاربتهم. ان مسلسل هذا البناء يمر عبر بناء توجه طلابي ثوري
بشكل نقطة ارتكاز في إعادة بناء جماعي لطليعة طلابية جديدة.
ان أسس الاستنهاض
الطلابي قائمة، لكن الغائب هو من سيفجر هذا الغضب الكامن في قوة اجتماعية منظمة.
فلنفتح
الطريق.
غشت 1998