5:03 م

أي مدلول لأزمة النظام السياسي بالمغرب ؟


يشهد العالم اليوم أزمة رأسمالية  عميقة و شاملة ، ولعل من أبرز مظاهرها  تعمق التناقض بين منطق الربح ومنطق تلبية الحاجيات والحقوق الاجتماعية الأساسية لقطاعات واسعة من الجماهير المضطهدة، وتعد السيرورات الثورية بمنطقتنا المغاربية والعربية إحدى أهم الإنفجارات المدوية الناجمة عن هذا التناقض، فهي تعبير عن تمرد الأغلبية العظمى عن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية  التي أسفر عنها السياق العام للأزمة الرأسمالية ، بالإضافة الى الانتفاض على أنظمة سياسية ديكتاتورية نفذت شرعيتها بعد أن أهانت كرامة شعوبها وخنقت حريتها وقادت حربا ضد الحريات الديمقراطية باسم الحرب على الإرهاب و نهبت خيرات الشعوب وبلدانها

عرف النظام المغربي كيف يفرض اصلاحاته الممنوحة و الالتفاف حول مطالب حركة 20 فبراير المطالبة بالحرية و الديمقراطية و العدالة الإجتماعية ، كما عرف كيف يتفادى تفجر سيرورة ثورية بالمغرب، وهذا النجاح الذي حققه النظام على حساب الحركة الجماهيرية راجع فقط لضعف القوى المناضلة و الثورية بالبلد ، فلا وجود لاستثناء مغربي كما يزعم النظام و أبواقه :

1)            الإندماج الوثيق للمغرب مع متطلبات العولمة الرأسمالية بعد 3 عقود من تطبيق سياسات التقويم الهيكلي و التطبيق الكامل لإتفاقيات التبادل الحر و التجارة الحرة و ما لازمهما من نتائج عكسية على الجماهير الشعبية بسبب تزايد مؤشرات الفقر و التدهور الكبير في ظروف العمل والخدمات الإجتماعية و البطالة الجماهيرية...

2)            سيطرة الملكية و الرأسماليين الموالين لها و الرأسماليين الأجانب على المصادر الإقتصادية و الموارد المالية والطبيعية بعد الهيكلة السياسية للمجال الإقتصادي و إستفراد الملكلية بموقع يسمح لها بتوزيع مصادر الإغتناء.

3)            تفاقم الأزمة السياسية للنظام و فقدان ديمقراطية الواجهة لمصداقيتها بعد انكشاف زيف شعارات "المسلسل الديمقراطي" و "الإنتقال الديمقراطي" و " العهد الجديد". فالبرغم من تجديد دستوره  الممنوح و تغيير القائمين على مؤسسات تمويه الحكم المطلق بصعود "المعارضة الاسلامية البرلمانية" المتمثلة في حزب العدالة و التنمية  الذي يرأس حكومة الواجهة، هذا الحزب الذي فقد الكثير من بريقه حتى في أعين مريديه ، بانتهاجه لنفس السياسات المعادية للطبقات الشعبية و دعمه للتوجه القمعي. لم تعد ديمقراطية الواجهة تلعب دور الوساطة مع المعارضة الإجتماعية و الدرع الممتص للصدمات الذي يخفي مسؤولية الملكية و الطبقة الحاكمة عن أوضاع البؤس و فرط الإستغلال الذي تعيش فيه الأغلبية العظمى ، الشيء الذي يجعل اليوم الملك و ديوانه الفاعل السياسي الرئيسي و الوحيد في واجهة الساحة السياسية.

4)            فقدان أدوات التعاون الطبقي لمصداقيتها بعد إدماج المعارضة السياسية التقليدية و المعارضة النقابية والاجتماعية الشيء الذي يجعلها عاجزة عن احتواء و توجيه المطالب الإجتماعية و التطلعات الديمقراطية نحو مؤسسات التعاون الطبقي.

إن حجم الأزمة و ملحاحية الحاجيات الاجتماعية التي لا تقبل الإلتفاف و الإحتواء سرعان ما فجرت المطالب الإجتماعية في أكثر من مدينة مغربية ( إيفني ، بني بوعياش ،تازة ، العرائش ، أكادير ، مراكش ، اميضر....) ، وقد جعلت كفاحية هذه النضالات الجماهير في مواجهة مباشرة مع السلطة و جهازها القمعي ، لكن بالرغم من كفاحيتها لم تترجم إلى تنظيمات سياسية جماهيرية لأن قيادتها في يد جيل جديد لا يتوفر على تقاليد تنظيمية و لا خبرات سابقة بالإضافة إلى كونه في طور التسيس ، كما تبقى هذه النضالات مستقلة عن الأحزاب السياسية الموجودة بالرغم من وجود بعض المناضلين المتحزبين في قلب هذه النضالات.

لقد بينت نضالات حركة 20 فبراير و موجة النضالات الموازية لها إمكانية بناء حركة سياسية جماهيرية مهيكلة محليا و على الصعيد الوطني ، كما بينت كذلك أن النضالات الشعبية الآتية من أسفل لا تعرف هوادة و أن الإصطدامات الكبرى قادمة لا محالة.

إن وضعنا كيسار راديكالي محبط جدا ، فهو مثقل بجراح الحقبة التارخية السابقة  و إشكالات القرن العشرين ، كما لا يتوفر على برنامج يربط بين النضالات الملموسة اليومية من جهة و مسألة الظفر بالسلطة من جهة أخرى، هذا ما يحتم عليه اليوم قبل غد طرح سؤال كيف نوفر شروط بناء حزب إشتراكي ثوري مناهض للرأسمالية يكون ديمقراطيا و تعدديا يحمل تطلعات الطبقات الشعبية و الأجيال المناضلة الجديدة، حزب يساري مكافح يؤثر في سيرورة النضالات و ينتزع لقب القيادة البديلة عن جدارة و يبني معارضة حازمة تتأهب لإسقاط الرأسمالية.

سامح زكري: 24/08/2013